مجزوءة الإنسان


الإنسان

φ      مدخل في بحث ظاهرة الإنسان

الإنسان، كلمة تحمل دلالة استعصت على الفهم، إلا وفقط إذا أردنا أن نقدم معرفة سطحية و جاهزة؛ ولذلك حق على طالب العلم الدقيق ، أن يتمعن في دلالات المفاهيم وأسسها النظرية، حتى يتسنى له البوح والصدع بالمعرفة العلمية المبنية على أدلة راجحة تزكي رأيه عن باقي الآراء.

·       مشكلة المعنى: البحث عن مجهول

وحين البحث عن دلالة الإنسان، و جب الانطلاق من السؤال. فالمجهول مسبقا كي يصبح معلوما لاحقا وجب بالضرورة وصله بالسؤال لأنه السبيل الكفيل لدفع المرء للبحث؛ فما السؤال الذي يفترض أن نجعله عتبة للبحث، أهو قولنا: ما الإنسان؟ أم قولنا : من هو الإنسان؟

·       مشكلة اللغة : الأحكام المسبقة

إننا في واقع الأمر نسقط في غير اختيار في أحكام اللغة المسبقة. وحري بنا أن نذكر، بأن (ما) حرف سؤال يوضع لغير العاقل، أما حرف (من) فهو أداة استفهام للعاقل. الشيء الذي ينبهنا إلى أن اللغة حاملة لأحكام مسبقة ومعرفة مضمرة، تفترض من السائل أن يصل إليها وفق منطق اللغة.

·       وضع منهج للبحث

وكوننا عهدنا إلى أنفسنا بناء حقيقة و ليس إلى اقتباسها، فإننا نضع السؤالين معا بين قوسين، لننتقل للمرحلة الثانية من منهجنا و هو النظر في الإنسان، أهو في سلوكاته عاقل أم غير عاقل؟ ؛

Y    (الخطوة الأولى)إننا بذلك نأخذ بفرضية الإنسان أنه: ربما عاقل، و ربما هو غير عاقل. لننتقل تدريجيا من خطوة إلى خطوة متبعين حذو المنهج التجريبي المبني على المراحل الأربعة التالية:

-         أولا: الفرضية ؛ ربما عاقل، و ربما هو غير عاقل.

-         ثانيا: الملاحظة؛ للسلوك الإنساني.

-         ثالثا: التجربة ؛ الخوض في النظر إلى التاريخ الإنسانية و المجتمع باعتبارهما مختبر الإنسان على حد قول أغوست كونت.

-         رابعا: الخروج بنتائج تصدق أو تكذب إحدى الفرضيتين، أو تعريفا جامعا مانعا لظاهرة الإنسان.

Y    (الخطوة الثانية) لقد أثبتت التجربة المبنية على الحوار الجاد مع مختلف تلامذة الأولى باكالوريا من شعبة العلوم الإنسانية و التجريبية و الشرعية و الرياضية، أن سلوكا مثل السرقة يمكن وضعه في خانة السلوك العاقل، كما يمكن إدراجه ضمن لائحة اللاعاقل، وكذلك هي السلوكات من قبيل: الجنس والكلام و العبادة و الإدمان و النوم ...إلخ

 

 

السلوك العاقل
السلوك الغير  العاقل
 الغريزة والتفكير و الكلام و العبادة و الإدمان والنوم ...إلخ
 الغريزة و التفكير و الكلام و العبادة و الإدمان والنوم ...إلخ

إن هذا الارتباك و التناقض في الرأي، يعقد مسألة البحث في ظاهرة " الإنسان"، لكنه يكشف عن خلل ثان في منهج البحث!!! ألا وهو انتقالنا من ملاحظة السلوك إلى حكمنا على السلوك، ولربما محاولة الاستغناء عن طرح السؤال بأداة (ما) أو (من)، ما كانت إلا محاولة فاشلة، تبرز لنا أنه وإن وضعنا اللغة المكتوبة بين قوسين، فإننا لا محالة نسقط في الأحكام المسبقة للغة التواصلية المسموعة.

لكننا ننوه بشيء آخر، ألا وهو اختلافنا في فهم دلالة العقل و اللاعقل، وإلى خطورة عدم الاكتراث بهذا الحد الفيصل بين السلوك العاقل الواعي و السلوك اللاعاقل و اللاواعي؛ فنحن نرمي بحريتنا و مسؤوليتنا إلى غيرنا كي ننفي مبدأ المحاسبة عن أي سلوك لم يكن نتيجة للعقل، بمعنى أنه جاء بطريقة لاواعية ولاإرادية، وفي نفس الآن نقر بكل حزم أننا مسؤولون أمام أنفسنا و الغير إن كان السلوك نابعا من صميم حريتي و اختياري.

لكن، ما دامت الأمور الملتبسة في فهم السلوك العاقل عن غيره، فإن أحكامنا و تصرفاتنا تظل مرتبكة و متوترة و متقلبة، فتارة تأخذ منحى الإيجاب و تارة تذهب بمذهب السلب للحرية أو المسؤولية.

لذا فإن أحكامنا كان من الأجدر أن تقف على معايير مبنية على أسس علمية ، نفصل بشكل جلي بين ما هو عاقل و ما هو غير عاقل. لنصل في بحثتنا إلى فهم أوضح و بيان أزكى لظاهرة " الإنسان" . ولهذا سننتقل ل (الخطوة الثانية)

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مشكلة الوهم و الإديولوجيا

الرغبة

إشكالية اللاوعي: البعد الواقعي و البعد الفلسفي والبعد النفسي